فصل: (سورة الزلزلة: الآيات 1- 8)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة الزلزلة:
مدنية وقيل مكية.
وآياتها 8.
نزلت بعد النساء.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الزلزلة: الآيات 1- 8]

{إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالها (2) وَقال الإنسان ما لَها (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتًا لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
{زِلْزالَها} قرئ بكسر الزاى وفتحها، فالمكسور مصدر، والمفتوح: اسم، وليس في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف.
فإن قلت: ما معنى {زلزالها} بالإضافة؟
قلت: معناه زلزالها الذي تستوجبه في الحكمة ومشيئة اللّه، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده. ونحوه قولك: أكرم التقىّ إكرامه، وأهن الفاسق إهانته، تريد: ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة أو زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه. الأثقال: جمع ثقل. وهو متاع البيت، وتحمل أثقالكم جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها {وَقال الإنسان ما لَها} زلزلت هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك عند النفخة الثانية حين تزلزل وتلفظ أمواتها أحياء، فيقولون ذلك لما يبهرهم من الأمر الفظيع، كما يقولون: {مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}.
وقيل: هذا قول الكافر، لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
فإن قلت: ما معنى تحديث الأرض والإيحاء لها؟
قلت: هو مجاز عن أحداث اللّه تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث بالنسيان، حتى ينظر من يقول مالها إلى تلك الأحوال، فيعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات؟ وأنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويحذرون منه.
وقيل: ينطقها اللّه على الحقيقة. وتخبر بما عمل عليها من خير وشر.
وروى عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «تشهد على كل أحد بما عمل على ظهرها.»
فإن قلت: {إِذا}، {ويَوْمَئِذٍ} ما ناصبهما؟
قلت: {يَوْمَئِذٍ}: بدل من {إِذا}، وناصبهما {تُحَدِّثُ}. ويجوز أن ينتصب {إِذا} بمضمر، و{يَوْمَئِذٍ} بـ: {تحدث}.
فإن قلت: أين مفعولا {تُحَدِّثُ}؟
قلت: قد حذف أوّلهما، والثاني {أخبارها}، وأصله تحدث الخلق أخبارها، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما لليوم.
فإن قلت: بم تعلقت الباء في قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ} قلت، بتحدّث، معناه: تحدّث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث. ويجوز أن يكون المعنى: يومئذ تحدث بتحديث أنّ ربك أوحى لها أخبارها، على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها: تحديث بأخبارها، كما تقول: نصحتني كل نصيحة، بأن نصحتني في الدين. ويجوز أن يكون {بِأَنَّ رَبَّكَ} بدلا من {أَخْبارَها} كأنه قيل: يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربك أوحى لها، لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا. و{أَوْحى لَها} بمعنى أوحى إليها، وهو مجاز كقوله: {أَنْ نَقول لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قال:
أوحى لها القرار فاستقرّت

وقرأ ابن مسعود: {تنبئ أخبارها}، وسعيد بن جبير: {تنبئ}، بالتخفيف. يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف {أَشْتاتًا} بيض الوجوه آمنين، وسود الوجوه فزعين. أو يصدرون عن الموقف أشتاتا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار، ليروا جزاء أعمالهم. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: {ليروا} بالفتح.
وقرأ ابن عباس وزيد بن علي: {يره}، بالضم. ويحكى أنّ أعرابيا أخر {خَيْرًا يَرَهُ} فقيل له، قدّمت وأخرت، فقال:
خذا بطن هرشى أو قفاها ** فإنّه كلا جانبي هرشى لهنّ طريق

والذرّة: النملة الصغيرة، وقيل (الذرّ) ما يرى في شعاع الشمس من الهباء..
فإن قلت: حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن معفوّة باجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرّ من الخير والشر؟
قلت: المعنى فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا: من فريق السعداء. ومن يعمل مثقال ذرّة شرا: من فريق الأشقياء، لأنه جاء بعد قوله: {يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتًا}.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. «من قرأ سورة إذا زلزلت أربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إذا زُلزِلت الأرض زِلزالها} أي حركت الأرض حركتها، والزلزلة شدة الحركة، فيكون من زل يزل.
وفي قوله: {زِلزالها} وجهان:
أحدهما: لأنها غاية زلازلها المتوقعة.
الثاني: لأنها عامة في جميع الأرض، بخلاف الزلازل المعهودة في بعض الأرض.
وهذا الخطاب لمن لا يؤمن بالبعث وعيد وتهديد، ولمن يؤمن به إنذار وتحذير، واختلف في هذه الزلزلة على قولين:
أحدهما: أنها في الدنيا من أشراط الساعة، وهو قول الأكثرين.
الثاني: أنها الزلزلة يوم القيامة، قاله خارجة بن زيد وطائفة.
{وأَخْرَجَتِ الأرضُ أَثْقالها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:.........
الثاني: ما عليها من جميع الأثقال، وهذا قول عكرمة.
ويحتمل قول الفريقين.
ويحتمل رابعًا: أخرجت أسرارها التي استودعتها، قال أبو عبيدة: إذا كان الثقل في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.
{وقال الإنسان ما لَها} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما لها زلزلت زلزالها.
الثاني: ما لها أخرجت أثقالها.
وفي المراد بهذا {الإنسان} قولان:
أحدهما: أن المراد جميع الناس من مؤمن وكافر، وهذا قول من جعله في الدنيا من أشراط الساعة لأنهم لا يعلمون جميعًا أنها من أشراط الساعة في ابتداء أمرها حتى يتحققوا عمومها، فلذلك سأل بعضهم بعضًا عنها.
الثاني: أنهم الكفار خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن يعترف بها فهو لا يسأل عنها، والكافر جأحد لها فلذلك يسأل عنها.
{يومئذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: «تحدث أخبارها بأعمال العباد على ظهرها»، قاله أبو هريرة ورواه مرفوعًا، وهذا قول من زعم أنها زلزلة القيامة.
الثالث: تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان ما لها، قال ابن مسعود: فتخبر بأن أمر الدنيا قد أنقضى، وأن أمر الآخرة قد أتى، فيكون ذلك منها جوابًا عند سؤالهم، وعيدًا للكافر وإنذارًا للمؤمن.
وفي حديثها بأخبارها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الله تعالى يقلبها حيوانًا ناطقًا فتتكلم بذلك.
الثاني: أن الله تعالى يُحدث الكلام فيها.
الثالث: يكون الكلام منها بيانًا يقوم مقام الكلام.
{بأنَّ ربّك أوْحَى لَهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه أوحى إليها بأن ألهمها فأطاعت، كما قال العجاج:
أَوْحى لها القرار فاسْتَقَرَّتِ ** وشَدَّها بالراسياتِ الثُّبّتِ

الثاني: يعني قال لها، قاله السدي.
الثالث: أمرها، قاله مجاهد.
وفيما أوحى لها وجهان:
أحدهما: أوحى لها بأن تحدث أخبارها.
الثاني: بأن تخرج أثقالها.
ويحتمل ثالثًا: أوحى لها بأن تزلزل زلزالها.
{يومئذٍ يَصْدُرُ الناسُ أَشْتاتًا} فيه قولان:
أحدهما: أنه يوم القيامة يصدرون من بين يدي الله تعالى فرقًا فرقًا مختلفين في قدرهم وأعمالهم، فبعضهم إلى الجنة وهم أصحاب الحسنات، وبعضهم إلى النار وهم أصحاب السيئات، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنهم في الدنيا عند غلبة الأهواء يصدرون فرقًا، فبعضهم مؤمن، وبعضهم كافر، وبعضهم محسن، وبعضهم مسيء، وبعضهم محق، وبعضهم مبطل.
{ليُرَوْا أَعْمالَهم} يعني ثواب أعمالهم يوم القيامة.
ويحتمل ثالثًا: أنهم عند النشور يصدرون أشتاتًا من القبور على اختلافهم في الأمم والمعتقد بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من اتفاق أو اختلاف ليروا أعمالهم في موقف العرض من خير أو شر فيجازون عليها بثواب أو عقاب، والشتات: التفرق والاختلاف، قال لبيد:
إنْ كُنْتِ تهْوينَ الفِراقَ ففارقي ** لا خيرَ في أمر الشتات

{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} في هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن معنى يَرَه أي يعرفْهُ.
الثاني: أنه يرى صحيفة عمله.
الثالث: أن يرى خير عمله ويلقاه.
وفي ذلك قولان:
أحدهما: يلقى ذلك في الآخرة، مؤمنًا كان أو كافرًا، لأن الآخرة هي دار الجزاء.
الثاني: أنه إن كان مؤمنًا رأى جزاء سيئاته في الدنيا، وجزاء حسناته في الآخرة حتى يصير إليها وليس عليه سيئة.
وإن كان كافرًا رأى جزاء حسناته في الدنيا، وجزاء سيئاته في الآخرة حتى يصير إليها وليس له حسنة، قاله طاووس.
ويحتمل ثالثًا: أنه جزاء ما يستحقه من ثواب وعقاب عند المعاينة في الدنيا ليوفاه في الآخرة.
ويحتمل المراد بهذه الآية وجهين:
أحدهما: إعلامهم أنه لا يخفى عليه صغير ولا كبير.
الثاني: إعلامهم أنه يجازي بكل قليل وكثير.
وحكى مقاتل بن سليمان أنها نزلت في ناس بالمدينة كانوا لا يتورعون من الذنب الصغير من نظرة أو غمزة أو غيبة أو لمسة، ويقولون إنما وعد الله على الكبائر، وفي ناس يستقلون الكسرة والجوزة والثمرة ولا يعطونها، ويقولون إنما نجزى على ما تعطيه ونحن نحبه، فنزل هذا فيهم.
وروي أن صعصعة بن ناجية جد الفرزدق أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقرئه، فقرأ عليه هذه الآية، فقال صعصعة: حسبي حسبي إن عملت مثقال ذرة خيرًا رأيته، وإن عملت مثقال ذرة شرًا رأيته.
وروى أبو أيوب الأنصاري: قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يتغذيان إذا نزلت هذه السورة، فقاما وأمسكا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إذا زُلْزلت الأرض زِلْزَالها}
أي: حُرِّكت حركةً شديدةً، وذلك عند قيام الساعة.
وقال مقاتل: تتزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى يَنْكَسِرَ كلُّ ما عليها من شدة الزّلزلة ولا تسكن حتى تلقيَ ما على ظهرها من جبل، أو بناءٍ، أو شجر، ثم تتحرك وتضطرب، فتُخْرِج ما في جوفها.
وفي وقت هذه الزلزلة قولان.
أحدهما: تكون في الدنيا، وهي من أشراط الساعة، قاله الأكثرون.
والثاني: أنها زلزلة يوم القيامة، قاله خارجة بن زيد في آخرين.
قال الفراء: حدثني محمد بن مروان، قال: قلت للكلبي: أرأيتَ قول الله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها}؟ فقال هذه بمنزلة قوله تعالى: {ويخرجكم إخراجًا} [نوح: 18] فأضيف المصدر إلى صاحبه، وأنت قائل في الكلام: لأُعطيَنَّكَ عَطِيَّتَكَ، تريد عطية.
والزِّلزال بالكسر المصدر، وبالفتح الاسم، وقد قرأ أبو العالية، وأبو عمران، وأبو حيوة الجحدري: {زَلزالها} بفتح الزاي.
قوله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} فيه قولان.
أحدهما: ما فيها من الموتى، قاله ابن عباس.
والثاني: كنوزها، قاله عطية وجمع الفراء بين القولين فقال: لفظت ما فيها من ذهب، أو فضة، أو ميت.
قوله تعالى: {وقال الإنسان ما لها} فيه قولان.
أحدهما: أنه اسم جنس يعم الكافر والمؤمن، وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة، لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكلُّ أنها من أشراط الساعة، فسأل بعضهم بعضًا حتى أيقنوا.
والثاني: أنه الكافر خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن عارف فلا يسأل عنها، والكافر جأحد لها لأنه لا يؤمن بالبعث، فلذلك يسأل.
قوله تعالى: {يومئذ تُحَدِّثُ أخبارها} قال الزجاج: {يومئذ} منصوب بقوله تعالى: {إذا زلزلت} {وأخرجت} ففي ذلك اليوم تحدِّث بأخبارها، أي: تخبر بما عمل عليها.
وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا.
قوله تعالى: {بأنَّ ربَّك أوحى لها} قال الفراء: تحدِّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها.
قال ابن عباس: أوحى لها، أي: أوحى إليها، وأذن لها أن تخبر بما عمل عليها.
وقال أبو عبيدة: (لها) بمعنى (إليها) قال العجَّاج:
وَحَىَ لها القرار فاسْتَقَرَّتِ

قوله تعالى: {يومئذ يَصْدُرُ النَّاس} أي: يرجعون عن موقف الحساب {أشتاتًا} أي: فِرَقًا.
فأهل الإيمان على حدةٍ وأهل الكفر على حِدة {ليُرَوْا أعمالهم} وقرأ أبو بكر الصديق، وعائشة، والجحدري: {لِيَروْا} بفتح الياء.
قال ابن عباس: أي: ليروا جزاء أعمالهم.
فالمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فرقًا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: تُحَدِّث أخبارها بأن ربَّك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس أشتاتًا.
فعلى هذا: يرون ما عملوا من خير أو شر في موقف العَرْضِ {فمن يعمل مثقال ذرة} قال المفسرون: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من الخير أو الشر يره وقرأ أبان عن عاصم {يُرَه} بضم الياء في الحرفين.
وقد بَيَّنَّا معنى (الذَّرَّة) في سورة [النساء: 40] وفي معنى هذه الرؤية قولان.
أحدهما: أنه يراه في كتابه.
والثاني: يرى جزاءه.
وذكر مقاتل: أنها نزلت في رجلين كانا بالمدينة، كان أحدهما يستقلُّ أن يعطيَ السائل الكِسْرة، أو التمرة.
وكان الآخر يتهاون بالذَّنب اليسير، فأنزل الله عز وجل هذا يُرَغِّبُهم في القليل من الخير، ويُحَذِّرهم اليسير من الشر. اهـ.